التربية والتعليم بين الماضي والحاضر 2

كتب بواسطة: Super User. Posted in ثقافة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

التربية والتعليم بين الماضي والحاضر 2

نظرات في التعليم الديني في السودان

تمهيد: إن الإسلام لا يعرف ثنائية السلوك، وبالتالي ثنائية التعليم، لأنه لا فصل في الإسلام بين الدين والدولة، ولا بين العبادات والمعاملات؛ قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين) الأنعام، 62. فكلمة التعليم الديني يقصد بها التفريق بين التعليم الذي يرتكز على الثقافة الإسلامية وتعاليم الإسلام وبين ذلك التعليم المدني ذي الأسس الغربية.

أولاً: بدأ التعليم في السودان على يد خلاوي تحفيظ القرءان الكريم، وذلك منذ القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر. ونعني بذلك أن هذه المدة قد تميزت بوجود الخلوة منفردة، فلم يكن ثمة مؤسسة تعليمية أخرى سوى الخلوة التي كانت تقوم بتدريس القرءان الكريم وعلومه.

      وكانت كل خلوة ذات سيادة ومنهج مستقل عن الخلاوى الأخرى، كما لم يوجد للدولة رقابة على المنهج، وبهذا غابت الفلسفة والخطة الموحدة للتعليم الديني في الدولة.

ثانياً: في العهد التركي (1821م - 1892م) ساعد الأتراك رجال الدين القائمين على التعليم في الخلاوى، وذلك بمنحهم قطع أرض للانفاق من ريعها على التعليم، كما أعفوا هذه الخلاوى من الضرائب. وفي عهد عباس الخديوي (1848 - 1854م) أنشئت أول مدرسة مدنية وهي مدرسة رفاعة رافع الطهطاوي عام 1853م، بيد أنها أغلقت أبوابها في عام 1855م. وفي زمن الحكمدار جعفر مظهر - أي عهد الخديوي محمد سعيد - فتحت خمس مدارس: واحدة في كل من الخرطوم، دنقلا، بربر، سنار، والأبيض. وكل هذه المدارس كانت مدارس مدنية صرفة، فما زالت الخلوة هي رائدة التعليم الديني في ذلك الأوان.

رابعاً: أما في عهد المهدية - ونسبة للصراع بين العلماء وخليفة المهدي عبدالله التعايشي - فقد ضعف دعم الدولة الأدبي. إن دعم الحكومات الأدبي للخلوة يزيد وينقص بحسب نوع الحكومة وعلاقتها بالخلوة. ولكن يظل الدعم المالي للخلاوي غير متأثر بمواقف الحكومات المختلفة، حيث أن الدعم الاقتصادي لهذه الخلاوي كان من داخلها، يوفره القائمون عليها من رجال التصوف بجهدهم وجهد المريدين والمحسنين من أفراد الشعب.

      إن هذا الاستقلال الاقتصادي وذاتية الاكتفاء كل ذلك قد مكَّن الخلاوى من الاستمرار واستدامة العطاء التربوي والتعليمي حتى يومنا هذا.

خامساً: ثم جاء الحكم الثنائي (الإنجليزي-المصري) (1899 - 1953م). وفي هذا الحكم بدأ المعهد العلمي تدريسه في حلقات تعليمية في مسجد أم درمان الكبير. وتكونت هيئة علماء السودان، وكان أول رئيس لها هو الشيخ محمد أحمد البدوي الذي توفي سنة 1911م، فخلفه الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم سنة 1912م. نقل الشيخ أبو القاسم المعهد لصورته الحديثة، فقسمت فيه الدراسة إلى المراحل الثلاث: وسطى، ثانوية، وعالية. وبدأ المعهد يمنح شهادته العالِمية سنة 1924م.

      ثم قامت معاهد على شاكلة معهد أم درمان انتظمت كل البلاد.

سادساً: بعد استقلال السودان في سنة 1956م زيد عدد المعاهد، ولكن سرعان ما ذوبت الفوارق في المنهج الدراسي، وتم تقريب الشقة بين التعليم الديني والتعليم المدني توطئة لمحو ثنائية التعليم بالسودان.

     إنه بعد حكومة أكتوبر 1964م بدأ العمل لإزالة المعاهد الدينية بحجة تساوِي المنهجين في كل من المعهد والمدرسة فحكموا أن تكون الشهادة في المدارس والمعاهد على السواء هي الشهادة المدرسية. وبهذا تم القضاء على المعاهد الدينية.

سابعاً: استحدثت حكومة الإنقاذ (1989م - ) ما يسمى بالمدارس القرءانية، وهي لا يختلف منهجها عن المدرسة التقليدية إلّا في أن المدرسة القرءانية تعطي التلميذ جرعة أكبر في مجال تحفيظ القرءان وعلومه. وشكلت هذه المدرسة دفعة قوية للتعليم الديني، كما أوجدت فيه تطويراً نوعياً.

ثامناً: أما خلاوى تحفيظ القرءان الكريم القائمة بمسايد الصوفية فهي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا تقوم بتحفيظ القرءان الكريم.

      وقد أولت حكومة الإنقاذ نوعاً من العناية بهذه الخلاوى تمثل في إيجاد الفرصة لخريج الخلوة في مواصلة تعليمه في مدارس تكميلية ذات عامين يدرس فيها كل منهج مرحلة الأساس، ثم ينتقل حافظ القرءان بعد ذلك لمواصلة تعليمه الثانوي في مدارس الدولة بمساقيها العلمي والأدبي، وبموجب ذلك يمكن لطالب القرءان أن يلتحق بكليات الطب والهندسة والصيدلة وغيرها من كليات العلوم، وكان في السابق لا يجد هذا الحافظ إلّا تعليماً نظرياً في الشريعة والدراسات الإسلامية التي يلتحق بها بعد إكماله التعليم في المعاهد الدينية بشهادة القراءات. 

 

                                                                                         كتبه عبدالرحمن ود الكبيدة.